الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ
متى عاش الإنسان قنوعًا عاش سعيدًا، وهل دمَّر الأُسَرَ إلَّا الطَّمَعُ وحُبُّ الدُّنيا وزخارفها؟ فكم من ربِّ أسرة دخل السجون بسبب عدم قناعة أسرته بالموجود! وكم من ربِّ أسرة ألَمَّت به الأمراض بسبب طَمَع أسرته في المزيد! فكلَّما رأوا جارًا أو قريبًا جاء بجديدٍ تمنَّوا المشابهة والمزيد، فهلَّا اقتنعوا بما أعطاهم الله من فضله، وشكروا الله على ما منَّ به عليهم من عافية، أما تذكر أهل الطمع فيمن فقدوا نعمة العافية وهم فيها يتقلبون؟!
أليس يمشون بأقدامهم وغيرهم راقدون، ويُبصرون وغيرهم من الناس لا يُبصرون، ويسمعون وغيرهم الكثير لا يسمعون، ويتمتعون بلذة الطعام والشراب وغيرهم محرومون؟! أليس قد أعطاهم الله عافية في عقولهم وغيرهم الكثير لا يعقلون؟! فما لهؤلاء القوم أفلا يعقلون؟!
إن عدم القناعة والرضا بالموجود من أشدِّ الأمراض فتكًا بالأُسَر؛ حيث يورد أربابه السجون، ويلمهم الهموم والأسقام التي لا دواء لها؛ بل قد تتكالب عليه الهموم حتى تورثه أمراضًا مزمنة، لا ينفعه معها دواء حتى وإن قضى كل ديونه وتخلَّص من همومه.
فهل اعتبرت تلك المرأة المضيقة على زوجها لذة الحياة بكثرة مطالبها وتغيير أثاث بيتها كل عام؟! أما آن لأولئك الطامعين المعتدين على حقوق الآخرين أن يكتفوا بما جمعوا من أموال وعقارات، ويعلموا أن مهما جمعوا من أموال فلن يزيدهم إلا طمعًا وأنهم تاركوه لغيرهم؟!.
ولقد تعجَّبت كثيرًا ممن يملك الأموال الطائلة، ولديه من التجارات الواسعة التي تغنيه سنوات عديدة، وما زال ينافس الضعفاء الذين يبحثون عن تحسين أوضاعهم ببعض التجارات الصغيرة، ولم يتركوا لهم فرصةً في مشاركتهم لقمة العيش في الأسواق والمدارس وغيرها.
خذ القناعة من دنياك، وارض بها، لو لم يكن لك إلا راحة البدن، وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها، هل راح منها بغير الطيب والكفن؟!
فاقتنع أخي المسلم بما أعطاك الله، وارضَ به، وإن قلَّ عددُه أو قلَّتْ قيمتُه، وإذا أصبحت كل يوم وأنت في عافية فاشكر الله عليها، ولا تصبح وهمُّك الدنيا وجمعها، ففي الحديث الصحيح : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ)).