كانا يتمشيان على النيل و الشمس تغيب في الأفق
و النسيم يداعب أغصان الشجر
قال و هو يمسك يدها في حب :
أتعرفين ماذا تحت قدميك الآن ؟
قالت : ماذا تعني ؟!
أتعرفين على ماذا تقفين ؟
نظرت إليه تنتظر أن يكمل !
قال : هل تصدقين أن تحت قدميك عصراً رومانياً
و عصراً فاطمياً و عصراً تركياً
و عصراً فرعونياً و عصراً حجرياً
أكاد أسمع صهيل الخيل ، و جلجلة السلاح
أكاد أرى الناس تختصم و تتصارع و تتزوج و تتاجر
أكاد أرى نظرات الغرور ما تلبث أن تأكلها الديدان
أكاد أرى الدموع تلمع على خدود الترابا
أين ذهب الغضب ؟؟
أين ذهب الجنون ؟؟
أين رقد اليأس ؟
أين نامت الفتن ؟
أين ذهب الحقد و الحسد الذي كان في الصدور !!
قالت له و هي ساهمة
تنظر إلى التراب تحت قدميها :
ترى هل يبقى شيء من حبنا ؟
أم أننا ماضون نحن أيضاً إلى لاشيء ؟
قال ضاحكاً : في عصر السرعة الذي نعيشه
يكاد يكون الحب فستاناً تتعلقُ به الفتاة
لمدة لبسة واحدة ثم بعد ذلك تتغير الموضة
قالت : هل هذا رأيك ؟
قال : هذا حال أكثرُ الناس
قالت : وهل نحن من أكثر الناس ؟
قال : كلُّ الذين تحت قدمكِ قد أقسموا
- و هم يبكون -
أن مابينهما كان شيئاً خاصاً نادراً ليس لمثيل
قالت : ألم يصدق بعضهم ؟
قال : نعم ، أقل القليل
الذين استودعوا عند الله شيئاً
فالله وحده هو الذي يحفظ الودائع
و أردف و هو ينظر إلى السماء :
الذين أحبوا بعضهم فيه
و نظروا إلى بعضهم في مرآته
الذين أفشوه أسرارهم
و أسلموه اختيارهم
فأصبح هو مرادهم
هؤلاء أهله
الذين هم إليه وليسوا للتراب
قالت و هي تنظر في عينيه :
و أين نحن من هؤلاء ؟
قال و هو مازال ينظر إلى السماء :
الكل يدعي أنه من هؤلاء
لكن الزمن هو وحده الذي يكشف صدق الدعوى !
و لهذا خلق الله الدنيا
ليتميز أهل الدعاوي من أهل الحق
قالت : ألا ترى نفسك مخلصاً ؟
قال :
لست من الغرور بحيث أسبق الزمن إلى الحكم
فما أكثر ما يُخدع الإنسان في نفسه
و ما أكثر ما يستدرج إلى ثقة في النفس
مبالغ فيها
ثم أردف : الإخلاص ، هو أخفى الخفايا
و هو سر لا يكاد يطلع عليه إلا الله !
قالت و يدها ترتجف في يده : إني خائفة
قال : و أنا أعيش هذا الخوف الجميل
خوف يدعونا يدفعنا إلى إحسان العمل
خوف لا يوجد إلا عند الأتقياء
لأنه خوف يحمي صاحبه من الغرور
ألم يقل أبو بكر الصديق الصديق :
مازلتُ أبيت على الخوف و أصحو على الخوف
حتى لو رأيت إحدى قدمي تدخل الجنة
فإني أظل خائفاً حتى أرى الثانية تدخل
فلا يأمن مكر الله إلا القوم الضالون
قالت : ولماذا يمكر الله بنا ؟
قال : مكر الله ليس كمكرنا
فنحن نمكر لنخفي الحقيقة
أما الله فيمكر ليظهرها
و هو يمكر بالمدعي
حتى يُظهره على حقيقة نفسه
فهو خير الماكرين
قالت : ألا توجد راحة ؟
قال : ليس دون المنتهى راحة
قالت : و متى نبلغ المنتهى ؟
قال : عنده .. " و إنّ إلى ربكَ المنتهى"
::
د. مصطفى محمود
و النسيم يداعب أغصان الشجر
قال و هو يمسك يدها في حب :
أتعرفين ماذا تحت قدميك الآن ؟
قالت : ماذا تعني ؟!
أتعرفين على ماذا تقفين ؟
نظرت إليه تنتظر أن يكمل !
قال : هل تصدقين أن تحت قدميك عصراً رومانياً
و عصراً فاطمياً و عصراً تركياً
و عصراً فرعونياً و عصراً حجرياً
أكاد أسمع صهيل الخيل ، و جلجلة السلاح
أكاد أرى الناس تختصم و تتصارع و تتزوج و تتاجر
أكاد أرى نظرات الغرور ما تلبث أن تأكلها الديدان
أكاد أرى الدموع تلمع على خدود الترابا
أين ذهب الغضب ؟؟
أين ذهب الجنون ؟؟
أين رقد اليأس ؟
أين نامت الفتن ؟
أين ذهب الحقد و الحسد الذي كان في الصدور !!
قالت له و هي ساهمة
تنظر إلى التراب تحت قدميها :
ترى هل يبقى شيء من حبنا ؟
أم أننا ماضون نحن أيضاً إلى لاشيء ؟
قال ضاحكاً : في عصر السرعة الذي نعيشه
يكاد يكون الحب فستاناً تتعلقُ به الفتاة
لمدة لبسة واحدة ثم بعد ذلك تتغير الموضة
قالت : هل هذا رأيك ؟
قال : هذا حال أكثرُ الناس
قالت : وهل نحن من أكثر الناس ؟
قال : كلُّ الذين تحت قدمكِ قد أقسموا
- و هم يبكون -
أن مابينهما كان شيئاً خاصاً نادراً ليس لمثيل
قالت : ألم يصدق بعضهم ؟
قال : نعم ، أقل القليل
الذين استودعوا عند الله شيئاً
فالله وحده هو الذي يحفظ الودائع
و أردف و هو ينظر إلى السماء :
الذين أحبوا بعضهم فيه
و نظروا إلى بعضهم في مرآته
الذين أفشوه أسرارهم
و أسلموه اختيارهم
فأصبح هو مرادهم
هؤلاء أهله
الذين هم إليه وليسوا للتراب
قالت و هي تنظر في عينيه :
و أين نحن من هؤلاء ؟
قال و هو مازال ينظر إلى السماء :
الكل يدعي أنه من هؤلاء
لكن الزمن هو وحده الذي يكشف صدق الدعوى !
و لهذا خلق الله الدنيا
ليتميز أهل الدعاوي من أهل الحق
قالت : ألا ترى نفسك مخلصاً ؟
قال :
لست من الغرور بحيث أسبق الزمن إلى الحكم
فما أكثر ما يُخدع الإنسان في نفسه
و ما أكثر ما يستدرج إلى ثقة في النفس
مبالغ فيها
ثم أردف : الإخلاص ، هو أخفى الخفايا
و هو سر لا يكاد يطلع عليه إلا الله !
قالت و يدها ترتجف في يده : إني خائفة
قال : و أنا أعيش هذا الخوف الجميل
خوف يدعونا يدفعنا إلى إحسان العمل
خوف لا يوجد إلا عند الأتقياء
لأنه خوف يحمي صاحبه من الغرور
ألم يقل أبو بكر الصديق الصديق :
مازلتُ أبيت على الخوف و أصحو على الخوف
حتى لو رأيت إحدى قدمي تدخل الجنة
فإني أظل خائفاً حتى أرى الثانية تدخل
فلا يأمن مكر الله إلا القوم الضالون
قالت : ولماذا يمكر الله بنا ؟
قال : مكر الله ليس كمكرنا
فنحن نمكر لنخفي الحقيقة
أما الله فيمكر ليظهرها
و هو يمكر بالمدعي
حتى يُظهره على حقيقة نفسه
فهو خير الماكرين
قالت : ألا توجد راحة ؟
قال : ليس دون المنتهى راحة
قالت : و متى نبلغ المنتهى ؟
قال : عنده .. " و إنّ إلى ربكَ المنتهى"
::
د. مصطفى محمود