X

أتعرفين ماذا تحت قدميك الآن ؟

المنتدى العام

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • 4uonly
    Thread Author
    Free Membership
    • Nov 2018 
    • 899 
    • 376 
    • 61 

    كانا يتمشيان على النيل و الشمس تغيب في الأفق

    و النسيم يداعب أغصان الشجر



    قال و هو يمسك يدها في حب :

    أتعرفين ماذا تحت قدميك الآن ؟

    قالت : ماذا تعني ؟!



    أتعرفين على ماذا تقفين ؟

    نظرت إليه تنتظر أن يكمل !



    قال : هل تصدقين أن تحت قدميك عصراً رومانياً

    و عصراً فاطمياً و عصراً تركياً

    و عصراً فرعونياً و عصراً حجرياً



    أكاد أسمع صهيل الخيل ، و جلجلة السلاح

    أكاد أرى الناس تختصم و تتصارع و تتزوج و تتاجر

    أكاد أرى نظرات الغرور ما تلبث أن تأكلها الديدان

    أكاد أرى الدموع تلمع على خدود الترابا



    أين ذهب الغضب ؟؟

    أين ذهب الجنون ؟؟

    أين رقد اليأس ؟

    أين نامت الفتن ؟

    أين ذهب الحقد و الحسد الذي كان في الصدور !!



    قالت له و هي ساهمة

    تنظر إلى التراب تحت قدميها :

    ترى هل يبقى شيء من حبنا ؟

    أم أننا ماضون نحن أيضاً إلى لاشيء ؟



    قال ضاحكاً : في عصر السرعة الذي نعيشه

    يكاد يكون الحب فستاناً تتعلقُ به الفتاة

    لمدة لبسة واحدة ثم بعد ذلك تتغير الموضة



    قالت : هل هذا رأيك ؟

    قال : هذا حال أكثرُ الناس

    قالت : وهل نحن من أكثر الناس ؟

    قال : كلُّ الذين تحت قدمكِ قد أقسموا

    - و هم يبكون -

    أن مابينهما كان شيئاً خاصاً نادراً ليس لمثيل



    قالت : ألم يصدق بعضهم ؟

    قال : نعم ، أقل القليل

    الذين استودعوا عند الله شيئاً

    فالله وحده هو الذي يحفظ الودائع



    و أردف و هو ينظر إلى السماء :

    الذين أحبوا بعضهم فيه

    و نظروا إلى بعضهم في مرآته

    الذين أفشوه أسرارهم

    و أسلموه اختيارهم

    فأصبح هو مرادهم

    هؤلاء أهله

    الذين هم إليه وليسوا للتراب



    قالت و هي تنظر في عينيه :

    و أين نحن من هؤلاء ؟

    قال و هو مازال ينظر إلى السماء :

    الكل يدعي أنه من هؤلاء

    لكن الزمن هو وحده الذي يكشف صدق الدعوى !

    و لهذا خلق الله الدنيا

    ليتميز أهل الدعاوي من أهل الحق

    قالت : ألا ترى نفسك مخلصاً ؟

    قال :

    لست من الغرور بحيث أسبق الزمن إلى الحكم

    فما أكثر ما يُخدع الإنسان في نفسه

    و ما أكثر ما يستدرج إلى ثقة في النفس

    مبالغ فيها

    ثم أردف : الإخلاص ، هو أخفى الخفايا

    و هو سر لا يكاد يطلع عليه إلا الله !



    قالت و يدها ترتجف في يده : إني خائفة

    قال : و أنا أعيش هذا الخوف الجميل

    خوف يدعونا يدفعنا إلى إحسان العمل

    خوف لا يوجد إلا عند الأتقياء

    لأنه خوف يحمي صاحبه من الغرور

    ألم يقل أبو بكر الصديق الصديق :

    مازلتُ أبيت على الخوف و أصحو على الخوف

    حتى لو رأيت إحدى قدمي تدخل الجنة

    فإني أظل خائفاً حتى أرى الثانية تدخل

    فلا يأمن مكر الله إلا القوم الضالون



    قالت : ولماذا يمكر الله بنا ؟

    قال : مكر الله ليس كمكرنا

    فنحن نمكر لنخفي الحقيقة

    أما الله فيمكر ليظهرها

    و هو يمكر بالمدعي

    حتى يُظهره على حقيقة نفسه

    فهو خير الماكرين



    قالت : ألا توجد راحة ؟

    قال : ليس دون المنتهى راحة

    قالت : و متى نبلغ المنتهى ؟



    قال : عنده .. " و إنّ إلى ربكَ المنتهى"





    ::

    د. مصطفى محمود


Working...
X