الإمام محمد بن سحنون




من أعلام التربية والتعليم في الإسلام



محمد بن سحنون

اهتمت الأمم عبر عصور التاريخ بموضوع التربية والتعليم وطرائقه وأساليبه وساهم العلماء والفلاسفة والباحثون منذ أفلاطون حتى ديوى ، بوضع النظريات التي لا زالت تتطور حتى اليوم ولا تزال موضع اهتمام المفكرين والمصلحين .

ومن أبرز وانضج الدراسات التي أرست أسساً ، ووضعت مبادئ صالحة على مر السنون التربية الإسلامية ، تلك التربية ، أسهم العلماء المسلمين فيها إسهاماً كبيراً ومن ابرز أعلام التربية والتعليم الذين كان لهم فضل السبق في التأليف في التربية الإسلامية العلامة " ابن سحنون " الذي ألف كتاب ( آداب المعلمين ) حيث ما تزال آرائه التربوية القيمة ، سبيلاً أمثل في التربية والتعليم للحاضر والمستقبل فمن هو ابن سحنون ومنهجه



هو أبو عبد الله محمد بن سحنون ، ولد بالقيروان سنة 202 هـ ونشأ في كنف أبيه فقيه المغرب وإفريقيا عبد السلام سحنون بن سعيد التنوخى القيرواني شيخ المالكية الذي اعتنى بتربيته وتأديبه وتعليمه فأخذ حظه من القرآن الكريم والعلوم الضرورية وتحول إلى مجالس الدروس العالية على يد ثلة من أشياخ إفريقيا ، فحمل عنهم مروياتهم وأتقنها ورحل إلى الأمصار فتعرف بكثير من العلوم ، وعاد إلى إفريقيا مزوداً بتجربة وعلم غزير ، ليشع به على المغرب وإفريقيا .

آراء بن سحنون التربوية



إن نظرة إلى سحنون ، تلقى ضوءاً على منهجه في التربية والتعليم ، فقد اعتمد في آرائه على آيات بينات من القرآن الكريم ، وعلى أحاديث نبوية شريفة ، وعلى الروايات والأحداث التي شاهدها، أو تحقق من وقوعها .

وأهم هذه الآراء هي : -

* الكتاتيب : منذ فجر الإسلام ، وفى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخلفائه الراشدين ، وجدت أمكنة يتجمع فيها الصبيان ، لاستظهار القران الكريم وتدارسه وقد نهى ابن سحنون في التعليم في المسجد ، حتى يبقى طاهراً ولا تصل إليه نجاسه الصبيان .

* سن المتعلمين : - للصبي سن معينة ، يبدأ عندها دخول الكتاب ، وسن ينتهى بعدها من التعليم ، فى ذلك المكان .

* العدل بين الصبيان: - انطلق ابن سحنون في راية بالعدل بين الصبيان المتعلمين من حديث رسول الله

صلى الله عليه وسلم الذي يقول:-" أيما مؤدب ولى ثلاثة صبية من هذه الأمة فلم يعلمهم بالسوية ، فقيرهم مع غنيهم ، وغنيهم مع فقيرهم ، حشر يوم القيامة مع الخائنين " .







* التأديب :- أعطى ابن سحنون للمعلم صلاحية ضرب تلاميذه على منافعهم وألا يتجاوز ثلاث ، إلا بإذن الأب في أكثر من ذلك ، ولا يجوز له أن يضرب رأس الصبي ولا وجهه ، متبعاً قول الرسول عليه السلام " أدب الصبي ثلاث درر،فما زاد عليه قوصص يوم القيامة ، وأدب المسلم في غير الحد عشر إلى خمس عشرة فما زاد عنه إلى العشرين يضرب به يوم القيامة وقد أورد ابن سحنون الحديث الشريف الأتي : قال النبي صلي الله عليه وسلم:" يؤدب الرجل ولده خيره من أن يتصدق".

وكأنه بذلك يدعو إلي التعاون بين البيت والمدرسة وقد قال أهل بعض أ هل العلم :" إن الأدب علي قدر الذنب وربما جاوز الأدب الحد، منهم سعيد بن المسيب وغيره".

وسئل سحنون عن المعلم الذي يأخذ الصبيان بقول بعضهم على بعض في الأذى ؟" فقال : ما أرى هذا ناحية الحكم ، وإنما على المؤدب أن يؤدبهم إذا آذى بعضهم بعضاً ... وإذا اغترف الصبي يقبل قوله على ذلك ، ويأمرهم بالكف عن الأذى ويرد ما اخذ بعضهم لبعض " .

* إخلاص المعلم في عمله:-تنبه ابن سحنون إلى هذا الرأي الرائد عندما قال :" لا يحق للمعلم ان ينشغل الصبيان ، ويلزم المعلم الاجتهاد وليتفرغ لهم " .

ويقول أيضاً: " على المعلم أن يجعل لتلاميذه ، وقتاً بعلمهم فيه الكتب ، ويجعلهم يتجاوزون – يتخايرون –لأن مما يصلحهم ويخرجهم ، ويبيح لهم أدب بعضهم بعضاً.

وأوصى المعلم ألا يولى أحداً من الصبيان الضرب ، ولا يجعل لهم عريفاً منهم إلا أن يكون الصبي الذي قد ختم وعرف القرآن وهو مستغن عن التعليم ، فلا بأس بذلك .

* عطية العيد: - وتطرق ابن سحنون في هذا الباب بألا يسأل المعلم تلاميذه هدية العيد ، فإن سألهم فأهدوه كان حراماً ، ولا بأس إذا أهدوه في غير مسألة ....فإن لم يفعلوا فلا يضربهم في ذلك ، وأما إن كان يهددهم في ذلك فلا يحل له ذلك .

* العطل : - أقر ابن سحنون عطلة عيد الفطر للصبيان يوماً ، ولا بأس أن يأذن لهم ثلاثة أيام ، وعيد الأضحى ثلاثة أيام ، ولا بأس لصبيان خمسة أيام .

* طريقة التعليم لم يورد ابن سحنون باباً مستقلاً لطريقة التعليم ولكن يمكن استشفاف ذلك من بين سطور مؤلفه وهى :

مواد الدراسة وهى :

• القرآن الكريم قراءةً وحفظاً وترتيلاً وتوفيقاً.

• الخطابة ، والنحو والخط الحسن .

• ألا ينتقل المعلم من درس الى درس جديد إلا بعد حفظه وألا ينقلهم من سورة إلى اخرى الا بعد حفظها .

• لا يجوز ان يوكل للصبية تعليم بعضهم بعضاً لأن ذلك عمل المعلم .

• على المعلم أ يختبر تقدم تلاميذه في التعليم

• أن يدربهم على كتابة الرسائل ، فيأذن للصبي أن يكتب لأحد كتاباً.

• أن يعلم المعلم تلاميذه الأدب ، فواجب المعلم نصيحة تلاميذه وحفظهم ورعايتهم ، لذلك سمى المعلم مؤدباً .

وجاء كتاب ابن سحنون بمثابة منهج قويم لمن أتى بعده من العلماء المسلمين ، الذين طرقوا هذا الموضوع وألفوا فيه ، لأنه استرشد بآيات بينات من الكتاب العزيز ، وأحاديث شريفة من سيد المرسلين ومن وقائع حدثت دقق فيها ، وأصدر عليها أحكاما ، فكانت كالقضية المقضية .

كما أعطى الإمام ابن سحنون للمعلم قدراً ، فتجلت روعة آرائه عندما جعل المعلم ، معلماً ومؤدباً ، فكان عمله تربية وتعليماً، مترفعاً عن مسألة تلاميذه سواء في الإهداء أو في انشغالهم بانجاز بعض أموره وحاجاته ، مهاباً بإعطائه سلطة التأديب بالرحمة ، والرفق فلا يضرب إلا ثلاثاً ، ولا يضرب الوجه أو الرأس ، وأن يكون التأديب لمصلحة ومنافع تلاميذه .

أخيراً عندما توفى محمد بن سحنون ، سنه 256هـ ضربت الخيام حول قبره ، فأقاموا هناك شهراً ، وأقيمت هناك أسواق الطعام ، ورثاه الشعراء بمراثي بلغت الثلاثمائة قصيدة ، فمن ذلك :

لقد مات رأس العلم وأنهد ركنه وأصبح من بعد بن سحنون واهيا

فمن لرواة العلم بعد محمد لقد كان بحراً واسع العلم طاميا

ومن لرواة الفقه والرأي والحجى وقد أصبح المفضال في الترب ثاويا