جامع سنان آغا - المساجد العثمانية في دمشق
للباحث عماد الأرمشي



يقع جامع سنان آغا / جامع المناخلية ـ على تخوم أسوار مدينة دمشق القديمة و متاخماً لسوار قلعة دمشق ولباب الفرج بالجهة الشمالية بسوق المناخلية المطل على شارع الملك فيصل . ويُعرف باسم جامع الآغا .يعتقد ( سوفير ) كما ورد عند ( الدكتور الشهابي ) أن الجامع شُيد في أواخر العهد الأيوبي ، وأن مشيده هو الأمير مجاهد الدين إبراهيم ( أمير خزندار و أستادار الملك الصالح نجم الدين أيوب ـ آخر ملوك بني أيوب ) .


ويوجد لوحة رخامية مركبة على جدار الجامع والتي التقطتها أثناء زيارتي الميدانية لهذا الجامع في صيف 2004 تنص : على أن ( الأمير ) سنان آغا بن عبد الله هو من أنشأ الجامع ؟؟؟ ( وهذا الكلام خطأ ) .
و الصحيح هو : جامع سنان آغا ( جدده ) سنان آغا بن عبد الله سنة 970 هـ - 1562 م .
ولا أدري من الذي ( أمّره و جعله أميراً ) أيام الدولة العثمانية التي لم تستخدم هذا التعبير في قواميسها . ومن أي مصدر تاريخي تم استقاء ذلك ؟؟؟؟ ، وهذه مغالطة تاريخية يجب التنويه إليها في غمار هذا البحث !! علاوة أنه قام على تجديد المسجد و توسعته فقط و ليس تشييده . وهذا لعمري خطأ مضاعف من دائرة الأوقاف بدمشق بوضع لوحات جداريه على الأوابد التاريخية و الأثرية ... من دون بحث و تقصي الحقيقة التاريخية للبناء .
و أتمنى تغييرها الى : جامع سنان آغا ( جدده ) سنان آغا بن عبد الله سنة 970 هـ - 1562 م .


كما يوجد لوحة رخامية ثانية مركبة فوق مدخل واجهة باب الجامع والمشيدة من المداميك الأبلقية البيضاء و السوداء ، ضمن واجهة صغيرة و بسيطة البناء ما نصها :
مسجد سنان آغا
المناخلية
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
أنشأه الأمير سنان آغا بن عبد الله 970 هـ - 1562 م
و هذا الكلام خطأ ... أيضاً .... و اللوم يعود على دوائر الأوقاف و الآثار ، ووزارة الإدارة المحلية ، و كذلك وزارة السياحة ، ومحافظة دمشق .
ولا بد من حذف كلمة ( الأمير ) و تغيير كلمة ( أنشأه ) إلى جدده لتصبح :
مسجد سنان آغا
المناخلية
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
جدده سنان آغا بن عبد الله 970 هـ - 1562 م


وعند الرجوع إلى ما ذكره ( النجم الغزي ) في الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة أن سنان آغا ابن عبد الله هو :آغاة الينكجرية بدمشق . و الينكجرية هي التسمية الشائعة لدى أهل الشام من العوام و مستقاة من ( الإنكشارية ) وهي لفظة تركية تعني الجيش الجديد . وقد عَمَرَ سنان آغا : الجسر على نهر بردا غربي التكية السليمانية ، وأنشأ الجامع اللطيف خارج باب الفرج ، بينه وبين نهر بردا ، وأحكم بناءه في سنة سبعين وتسعمائة ، وتوفي في سنة ثمانين وتسعمائة ، ودفن في جانب جامعه بين البابين . انتهى الغزي .


كما جدد حرم جامع السنجقدار في عام 1008 للهجرة الموافق 1599 للميلاد كما هو مكتوب على اللوحة الرخامية المعلقة على جدار الجامع و الظاهرة بالصورة .وهذا التاريخ خطأ ؟؟؟ .... لأن سنان آغا بن عبد الله ( آغا الينكنجرية ) توفي عام عام 980 للهجرة الموافق 1572 للميلاد ، ودفن لصيق جامعه ( بالمناخلية ) بين البابين ، و من غير المعقول أن يجدد الحرم و هو في قبره ؟؟؟ .و جدد جامع المجاهدية أي ( جامع سنان آغا فيما بعد ـ المناخلية ) سنة 970 هـ - 1562 م .
و اللوم كل اللوم يعود على دوائر الأوقاف و الآثار ، ووزارة الإدارة المحلية ، و كذلك وزارة السياحة ، ومحافظة دمشق للسماح بوجود مثل هذه الأخطاء على آثار ، ومساجد دمشق الشام . ومن المتعارف عليه بالشام ( عُرفاً ) : أن هذا الجامع في الأصل .. هو و سوق المناخلية من مشيدات العهد المملوكي ..!! و هذا غير صحيح ... ؟؟ إذا أن مشيده هو الأمير مجاهد الدين إبراهيم في العهد الأيوبي ، وقد أقدم على تجديده فقط ( أغا الانكشارية ) سنان بن عبد الله في العهد العثماني بالتاريخ المذكور ، والدليل هو طراز عمارة المئذنة القديمة القائمة شمال المسجد فوق باب الجامع .


و هذا ما أكده الباحثان الألمانيان كارل ولتسينجر و كارل واتسينجر عندما قاما بمسح ميداني شامل للأبنية الأثرية و الإسلامية بدمشق ضمن البعثة الألمانية العثمانية و قالا عنه بالصفحة رقم 101: أن اسم الجامع ( جامع المناخلية ) مشتق من اسم سوق المناخلية ، وكان اسم الجامع بالأصل المجاهدية ( مسجد المجاهدية ) والذي أسسه مجاهد الدين إبراهيم ، شقيق زين الدين الذي كان يشغل منصب حاجب مال الملك الصالح نجم الدين المتوفى سنة 656 للهجرة و المدفون في الجامع .وقد جدد الجامع آغا اليانيشارية سنان سنة 923 للهجرة / 1565 للميلاد ، ( ولا ندري من أين جاء هذا التاريخ الهجري الخطأ الغير متوافق مع التاريخ الميلادي ـ سنة 923 للهجرة / 1565 للميلاد) ؟؟؟؟ و أضافا : أن هذا الجامع استخدم سجنا عسكريا إبان الحرب العالمية الأولى في السنوات 1914 ـ 1918 ،. انتهى


وهذا ما أخبرنا به الشيخ عبد القادر بدران في منادمته للأطلال حين قال : واصفاً موقعه على حافة نهر بردى ، خارج باب الفرج ، في المحلة التي تسمى : بالمناخلية من الجانب الغربي . وكان في أيامه ( أي أيام سنان أغا ) مسجدا قديما ، ضيقا ، وبجانبه أماكن مشعثة ، ومسلخ ، ومخازن ... فجعل سنان آغا الينكجرية هذا المكان كله جامعاً ، وضمه الى الأول ، وزاد فيه ، وجعل له منبراً ومئذنة لطيفين .. ولم يؤرخ أيام بنائه . انتهى كلام بدران


مدخل جامع سنان آغا
وزاد الدكتور طلس على الشيخ بدران عندما أحصى مساجد دمشق فقال : مسجد سنان آغا تحت رقم 145 بالمناخلية ، هو مسجد صغير لطيف جداً ، له مدخل حجري بسيط .


إلى جانب المدخل عتبة متوجة بخمس زخارف حجرية ، نافرة الشكل و التوزيع ، في المدماك الثالث حشوة مستطيلة زخرفية ، تليها حشوتان مستديرتان متجاورتان ، ثم حشوة مربعة سهمية ، و بجوار الساكف حشوة مستديرة أخرى .


الباب مصنوع من خشب الجوز و مصفح بالحديد و المسامير المعدنية كما هي أبواب خانات دمشق ، و على ما يبدو هو نفسه الباب حين كان المسجد يستعمل كسجن خلال الحرب العالمية الأولى في سنوات 1914 ـ 1918 للميلاد .


يتم الدخول إلى المسجد من الباب الرئيسي الشمالي ، وفي الجهة القبلية من الباب : رواق يقوم على ثلاثة أعمدة من الحجر الجميل ، ولكنه مشوه بالدهان ، وفوق باب المصلى الشتوي نقش كتابي وهو عبارة عن بيتان من الشعر وتاريخهما سنة 972 هجرية هو تاريخ انتهاء بناء المسجد ما نصه :
إن ذا المسجد أنشأه الآغا يرتجي جنات عدن من الله المنة
قبل الرحمن منه حين التاريخ من بنا لله بيتاً سر بالجنة
ستة 972
وهناك نص أخر ورد عن ( وادينغتون ـ Waddington ، و فان برشم Van Berchem ) ما نصه :
إن ذا المسجد أنشأه سنان الآغا
برحمته جنات عدن من أله المنة
قبل الرحمن منه صح أرخ
وبناء الله له بيتاً بالجنة
سنة 973
و قد استحدثت في حقبة سابقة غرفة على يمين الداخل ، وجعلت مكاناً للوضوء وللمطاهر بدلاً من الميضأة ( البركة المثمنة ) الموجودة في صحن الجامع البسيط و المفروش بالموزاييك .


كما يوجد بين الباب الرئيس ، و بين و باب حرم بيت الصلاة غرفة ثانية فيها ضريح ، ورفات سنان آغا المتوفى عام 980 للهجرة الموافق 1572 للميلاد ، ودفن لصيق جامعه بين البابين .و يوجد شاهدة قبر الواقف ما نصها :
الفاتحة
هنا مرقد الأمير الصالح سنان آغا ابن عبد الله المتوفى سنة 980 هـ الذي أنشأ هذا الجامع المبارك سنة 970 هـ و دفن فيه رحمه الله و أجزل مثوبته آمين .
طبعاً : هذه الكتابة على الشاهدة خطأ أيضاً (مرقد الأمير) .... واللوم يعود على الدوائر المختصة للسماح بوجود مثل هذه الأخطاء على آثار ، وأوابد الشام .
بينما ورد عند طلس أنه في الزاوية الشمالية الغربية ضريح قيل له هو ضريح خدام الجامع .


أمام الرواق الشمالي ( مصلى شتوي ـ حرم بيت الصلاة ) يحوي القبلية و هي ذات زخارف جميلة ، غنية جداً بمنجورها و نقوش سدتها و منبرها و شبابيكها المدهونه بأجمل الزخارف التركية الحسنة .
يحيط بالمحراب شباكين يطلان على مجرى نهر بردى ، و المحراب مبني من المداميك البيضاء و المزية اللون ، و متوج بطاسة من الحجارة الأبلقية السوداء و المزية اللون و مسننة التدكيك ، يعلوها لوحة جميلة الخط ما نصها : كلما دخل عليها زكريا المحراب .


محراب جامع سنان آغا و المبني من المداميك البيضاء والمزية اللون ، و متوج بطاسة من الحجارة الأبلقية السوداء و المزية اللون و مسننة التدكيك / والزخارف الجميلة الغنية بمنجورها و نقوشها ، ويعتبر المحراب تحفة رائعة ولكنه مشوه بالدهان الحديث . و منبر الجامع خشبي قديم . وفوق المحراب قبة ضخمة


ومما هو جدير بالملاحظة تلك الزخرفة البديعة الموجودة في صدر محراب الجامع والتي تصور الكعبة المشرفة أحسن تصوير .
في منتصف الزخرفة ما نصه : الصلاة عماد الدين
وعلى الأطراف كما ورد عن الأستاذ بسام ديوب ما نصه :
قد شرف هذا المقام وضع
هذا الحجرالرخام و هو
من أحجار بيت الله الحرام
زاده الله تشريفا و تعظيما
و تكريما الى يوم القيام
في عام أربع سبعين و تسعمائة
وعلى ما يبدو أنها وضعت داخل المحراب بعد الإنتهاء من تشييد المسجد بأربع سنوات .


في الحائط الغربي للجامع نحو خمسة أمتار مربعة من القاشاني الشامي البديع و بمنتصف حدار القبلية الغربي نقوش كتابية ولكنها مشوهة بالدهان داخل حرم الصلاة بجامع سنان آغا ما نصها :
لا إله إلا الله الملك الحق المبين


النقوش الكتابية و المشوهة بالدهان على جدار القبلية الشرقي بجامع سنان آغا ما نصها :
محمد رسول الله صادق الوعد الأمين
و يذكر ( وادينغتون ـ Waddington ، و فان برشم Van Berchem ) أنه مكتوب على حرم الجامع : ( ومن خواص هذا الجامع أن الذباب لا يدخله لأن في حرمه رصد من البلور عليه خمس ذبابات و على المذكور حجرين تنفع لليرقان إذ عصر عليهما ماء الليمون ولعقه صاحباً ( كذا ) العلة .


أقول هنا ضمن أبحاث مساجد دمشق دراسة تاريخية مفصلة أنني وقفت أتأمل بتمعن مئذنة هذا الجامع الجميلة الرشيقة من رصيف شارع الملك فيصل عند باب سوق المناخلية ، وكيف تم بناء المآذن في ذلك العصر ، وكيف كانوا يرفعون الحجارة الكبيرة وصولا الى قمة المئذنة .ثم تبين لي أن هذه المئذنة حديثة عهد بالجامع ، ولم يتطرق إليها أحد من مؤرخي دمشق ، و أظنها شيدت في منتصف أربعينات القرن العشرين ، ونستطيع ملاحظة ذلك من خلال حجارتها الجديدة بالمقارنة مع أحجار الواجهة الشمالية للمسجد .وعموماً فالمئذنة رشيقة ومشيدة على الطراز الشامي بتأثير مملوكي ، و جذعها مثمن الأضلاع تقطعه خطوط سوداء تزيينية ، يتخللها دوائر من الحجارة المدككة بشكل جميل .


تأخذ شرفتها شكل الجذع المثمن بدون أي مقرنصات ، كما يحيط بها درابزين خشبي بدون أي زخارف تجميلية ، وترتفع فوقها مظلة خشبية بارزة قليلا على شكل الشرفة ، ويعلو المئذنة جوسق دائري مثمن الأضلاع تقطعه بعض من الأشرطة السوداء التزيينية .و يبدو لي أن جزئه العلوي مجدد بطريقة غير فنية .. لخلوه من الأشرطة التزيينية السوداء ، و يحمل ذروة بصلية على طراز ذرى المآذن المملوكية في دمشق .


وكنت أتسائل ؟ : هل هذه المئذنة هي مئذنة الجامع الأصلية ، وان كانت كذلك .. فلماذا يوجد مئذنة ثانية خشبية صغيرة على باب الجامع .. ؟؟
ثم اتضح لي أن هذه المئذنة القديمة هي مئذنة المسجد الأصلية ، وقد صنفها الدكتور قتيبة الشهابي رحمه الله في كتابه ( مآذن دمشق تاريخ و طراز ) عندما صورها بعدسته كما هو ظاهر بالصورة بأنها من ضمن الطراز الشامي بتأثير عثماني . فجذعها مثمن قصير يستند الى قاعدة على شكل نصف مخروط مقلوب ، وفي أعلاه أفاريز ثخينة من الخشب تحمل شرفة مثمنة ، يحيطها درابزين بسيط من فضان الحديد و تغطيها مظلة على غرارها تحمل جوسقاً و قلنسوة مخروطية نحلين و مثمنين أيضاً .
الصورة قبل تغطية سوق المناخلية بنهاية عام 1989 بعدسة الدكتور قتيبة الشهابي رحمه الله .


مئذنة جامع سنان آغا بعد التجديد و تغطية سوق المناخلية بالتوتياء



إعداد عماد الأرمشي
باحث تاريخي بالدراسات العربية والإسلامية لمدينة دمشق

المراجع :
ـ مآذن دمشق تاريخ و طراز / د. قتيبة الشهابي
ـ ذيل ثمار المقاصد في ذكر المساجد / د. محمد أسعد طلس
ـ منادمة الأطلال و مسامرة الخيال / الشيخ عبد القادر بن بدران
ـ النقوش الكتابية في أوابد دمشق / د. قتيبة الشهابي / د. أحمد الأيبش
ـ الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة / نجم الدين محمد بن محمد الغزي
ـ مشيدات دمشق ذوات الأضرحة و عناصرها الجمالية / د. قتيبة الشهابي 1995
ـ الآثار الإسلامية في مدينه دمشق / تأليف كارل ولتسينجر و كارل واتسينجر، تعريب عن الألمانية قاسم طوير، تعليق الدكتور عبد القادر الريحاوي
- Damaskus: die islamische Stadt / Carl Watzinger & Karl Wulzinger
ـ العمارة والمجتمع العثماني في مدينة دمشق بالقرنين التاسع عشر و العشرين الميلاديين للباحثين ويبر و ستيفان الموجود في جامعة برلين بألمانيا
Stadt, Architektur und Gesellschaft des osmanischen Damaskus im 19. und frühen 20. Jahrhundert - Weber, Stefan, Universitat Berlin.
arabische inschriften aus syrien sinan aga Damaskus
المعهد الألماني للأبحاث الشرقية