X

خان الزيت دمشق

المنتدى العام

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • مرجان الأطرش
    Thread Author
    مشرف المنتديات العامة
    • Sep 2018 
    • 513 
    • 190 
    • 228 



    خان الزيت



    يقع خان الزيت داخل أسوار مدينة دمشق القديمة في بداية شارع الطريق المستقيم أو سوق جقمق ، أو ما نسميه اليوم في زماننا بسوق مدحت باشا ، وهو ثاني الخانات تواجدا في بداية السوق على يسار الداخل بعد خان الدكة ، يحده شرقا قسم من خان جقمق ، و يحده جنوبا شارع سوق مدحت باشا ، و يحده غربا خان الدكة ، ويحده شمالا بعض البيوت العربية .


    الخارطة معدلة بواسطة الباحث ومأخوذة من كتاب الآثار الإسلامية في مدينه دمشق / تأليف كارل ولتسينجر و كارل واتسينجر

    ولعل خان الزيت هو أقدم خانات الفترة العثمانية البالغ عددها بتلك الفترة حوالي مئة و تسعة و ثلاثون خاناً.. لم يبق منها إلا القليل ، و يعود تاريخ إنشائه بحسب بعض المصادر التاريخية الى نهاية القرن السادس عشر الميلادي في عام 995 للهجرة الموافق 1587 للميلاد بأمر من حسن باشا الشوربزي الذي بنا للوزير الأعظم سياغوش باشا جامع السياغوسية بالشاغور .
    حكا لنا المؤرخ الدمشقي محمد المحبي في خلاصته عن أعيان القرن الحادي عشر الجزء الثاني ص 34 عن حسن باشا بن عبد الله الشوربزي هذا ... فقال : أنه هو الأمير الكبير المعروف بشوربزه حسن أحد صدور دمشق وأعيانها ، المتوفى سنة 1027 هجرية .
    كان حسن باشا الشوربزي منتميا الى الوزير الأعظم سياغوش باشا فدفع إليه مالا وأمره ان بيني له مسجدا بدمشق ، ويرتب فيه من يقوم بشعائره . فبنا المسجد المعروف بالسياغوشية بالقرب من داره بحارة القصاعين داخل باب الجابية وأحسن بناءه .



    جامع السياغوشية بحي الشاغور الجواني
    وكذا فعل معه الوزير الأعظم مراد باشا فعمر له سوق المرادية بباب البريد والخان وسوق الذراع وجعله وقفا على الحرمين الشريفين .
    وقال أيضاً : أن حسن باشا بن عبد الله الأمير الكبير المعروف بشوربزه حسن ولي وقف البيمارستان النوري فأقام شعائره بعد أن كانت اضمحلت وعمر أوقافه وأتى فيه من حسن التنمية بما لا مزيد عليه وكذلك عمر وقف البيمارستان القيمري بالصالحية ، وأنماه وولي توليه الجامع الأموي بعد أن كاد وقفه يذهب فبذل جهده في ضبطه وتنميته ، وعمر حمام البزورية وقف دار الحديث النوريه بأمر الوزير أحمد باشا الحافظ وصرف من ماله مبلغا واستوفاه من أجوره ثم سلمه لمتوليه بعد الاستيفاء وتوفي سنة سبع وعشرين وألف وكذلك عمر حسن باشا الشوربزي الخان المعروف بخان الزيت بسوق جقمق ( موضوع بحثنا هذا ) ووقفه مع جملة عقاراته على ذريته .



    كذلك ورد بكتاب لطف السمر للغزي أن مشيد جامع السياغوشية وخان الزيت هو حسن باشا الشوربزي كان من كبار وجهاء الإنكشارية في الشام و المعروف باسم شوربزة حسن ، وذلك بتكليف من الوزير الأعظم سياغوش باشا ، وقد اكتمل عمارة المسجد في عام 995 للهجرة الموافق 1587 للميلاد وذلك حسب ما جاء في خطط دمشق للعلبي ، وأطلق على الجامع اسم الياغوشية تخفيفاً للفظة سياغوشية نسبة الى سياغوش باشا .
    تعود تسمية هذا الخان بخان الزيت لكونه محط رحال تجار الزيتون و الزيت في رحابه ولتخصصه في يبع كافة أنواع الزيتون و الزيوت فيه ، و يحتل مساحة كبيرة جداً .. و يقل مساحته عن خان أسعد باشا العظم نظراً لاحتوائه على قاعات كثيرة للزيتون و لزيت الزيتون بعد عصره .



    روعي في تصميم الخان وتقسيم غرفه لأهمية هذه المادة الغذائية حيث تتوافد عليه جميع أنواع الزيتون من عدة مناطق في بلاد الشام منها ( معضمية الشام ، و عرطوز ، ومن منطقة سلقين والكنايه في إدلب ومنطقة عفرين في حلب ، ومن أراضي بلاد الشام بفلسطين ) ويتم عصر الزيتون خلال فترة لا تتجاوز 48 ساعة من وصوله إلى الخان وخلال هذه الفترة يخزّن الزيتون في مستودعات مغلقة ومن ثم يستخلص زيت الزيتون البكر الممتاز على البارد داخل معصرة الخان القديمة .
    كان الخان يحوي على 20 مخزناً للزيوت أكثرها مزوّد بقاعات خوابي الزيت ، وفي واجهة البناء الجنوبية الغربية 25 مخزناً وجناح للمياه و المعصرة و للمراحيض . كلها الغيت في بدايات القرن العشرين .. ولم يبق منها أثر .


    صورة بوابة خان الزيت بعدسة الباحث صيف 2004

    أقول هنا و أنا واقف أمام باب خان الزيت الضخم أثناء زيارتي الميدانية للخان في صيف 2004 أن هذا الباب الضخم ينفتح على سوق مدحت باشا وهو ذو جبهة حجرية عالية البناء مبنية من الحجارة الأبلقية الجميلة
    و مؤلف من قوسين :
    القوس الأول فوق مدخل الباب مباشرة ، أما القوس الثاني فهو القوس الرئيسي لباب الخان في وسطه نافذة مستطيلة الشكل و يوجد بحرتين من المدكك عن يمين و يسار النافذة و يعلوها نقشه من القاشاني الجميل على ارتفاع ما يناهز خمسة أمتار .
    و بابه أيضا يرتكز على قوس بازلتي الحجر متقشف خالي من المقرنصات وبقية العناصر التزيينية ويفتقر الى الزخارف ، ويتألف من مصراعين كبيرين ومصفح بألواح معدنية على طول المصراعين مثبت عليه مسامير ضخمة تشبه الى حد كبير طراز أبواب مدينة دمشق المصفحة ، ويوجد في درفة الباب اليمنى باب صغير هو ( باب خوخة ) هذا المصطلح يطلقه أهل الشام من العوام على هذه الأبواب الصغيرة والتي تم تخصيصها لدخول و خروج الأفراد من خلالها دون الحاجة لفتح مصراع الباب بالكامل ، وعند دخول القوافل كانوا يفتحون الباب على مصراعيه لسهولة دخول الجمال و البغال و الخيول المحملة بالبضائع منه .



    في مقدمة الصورة تبدو قبة ضريح ومقام نور الدين محمود الزنكي الملقب بالشهيد المتوفي سنة 569 هجرية الموافق 1174 للميلاد . و خلفها تظهر قباب خان الزيت و السقف المحلزن لسوق مدحت باشا و مئذنة جامع سيدي هشام ، وبالعمق يبدو حي الشاغور الجواني ممتداً مع حي الميدان ليشكلا العمق الجغرافي لمدينة دمشق في بداية القرن العشرين .
    ونلاحظ هنا أن عددا قليلا من الخانات العثمانية التي اتبعت المبادئ التقليدية العثمانية في هيكلة بنائها وعلى سبيل المثال لا الحصر نرى أن خان الزيت موضوع بحثنا هذا ، و كذلك خان الحرير اللذان بنيا في مرحلة متقاربة زمنيا قد اتبعتا أسلوب بناء صالات لعرض البضائع التجارية المواكبة لنشاط الخان مع وجود فسحة سماوية كبيرة في وسطه ، ووجود إسطبلات للدواب ، و حمامات ومطاهر للنزلاء .



    بالإضافة الى غرف لمنامة التجار بالطابق العلوي والتي تتماشى مع طراز البناء المنتشر في أرجاء الإمبراطورية العثمانية آنذاك . وعليه فان أسلوب البناء في دمشق أخذ منحى بناء الخان ذو القبة الواحدة ، أو القبتين ، أو ثلاثة قباب ، أو ستة قباب في كل ضلع وصولا الى تسعة قباب في كل ضلع كما هو الحال في مدرسة التكية السليمانية وفي خاني الزيت والحرير والذي بلغ أوجه في بناء القباب بالقرن الثامن عشر .



    وعلاوة على ذلك فقد اتسمت خانات دمشق العثمانية بروح فن أعمال الديكور و التقنيات الشامية الدمشقية وخاصة الأبواب و الواجهات الداخلية الممزوجة بالألوان التزيينية و أعمال اللصق الفني لإطار البوابات الحجرية الخارجية . وقد استخدمت هذه التقنية في العصر المملوكي لملء المنحوتات الحجرية المتعددة المعاجين الملونة ، ولكن هذا الاستخدام بلغ أوجه في الكمال و الديكور مع خضوعه لأسلوب التغيير الجوهري العثماني في النصف الثاني من القرن السادس عشر و النصف الأول من القرن السابع عشر مما مهد الطريق لعمليات اللصق الرائعة للواجهات في القرن الثامن عشر و التي شملت الخانات و المساجد على حد سواء .



    أما بناء الخان حاليا فهو مربع الشكل ويتألف من باحة سماوية كبيرة يحيطها أروقة قائمة على أقواس تعددية أبلقية نصف دائرية تستند على عضائد حجرية هي أساس بناء الخان ذو الأربعون غرفة والتي كانت تستخدم لتجارة الزيت



    وكذلك هو بناء الطابق الثاني والمؤلف من أروقة مشرفة على الباحة ومسقوفة بعشرين قبة صغيرة بدون فتحات للإنارة ، وعليه حوالي عشرون قبة فوق الغرف بدون فتحات للإنارة أيضا .
    قد قمت بزيارة الخان مرة ثانية في بدايات سنة 2010 ، كان الوضع مختلفاً عما كان عليه بالماضي ، فقد تم خلال السنتين الماضيتين إعادة تأهيل سوق مدحت باشا بالكامل ، وتم إعادة رصف أرضية السوق بالحجارة البيضاء الملساء بدلاً عن الحجارة المربعة السوداء البازلتية ، وكذلك تم تنظيم واجهات المحلات العشوائية و تم توحيد أبوابها كما كانت أيام الوالي العثماني مدحت باشا و جعلوها من الخشب وتم إعادة توحيد اللون مع تركيب السقف المعدني المقنطر والذي تهدم إبان القصف الهمجي الفرنسي الذي طال السوق يوم 18 تشرين الأول (أكتوبر) 1925.


    حقبة الصورة بعد 18/10/1925 .

    و يبدو بالصورة سوق مدحت باشا بعد تعرضه للقصف من قِبل القوات الفرنسية في يوم الأحد الواقع في 18/10/1925 ... واندلاع الحرائق في حي سيدي عامود ، و أصاب سقف السوق بتهتك بالغ كما هو ظاهر هنا بالصورة . والمصور التقطها من الشرق الى الغرب .. و يقف بالقرب من بوابة خان الزيت و الكائن على يمين الصورة .. و بعده خان الدكة . يحده شرقا قسم من خان جقمق ، و يحده جنوبا سوق مدحت باشا وصار سقفه شبيها بسقف سوق الحميدية الشهير والذي قام على استبدال هذه الأسقف من السقف الخشبي الى المعدني المقنطر على شكل ظهر السلحفاة الوالي العثماني المصلح حسين ناظم باشا رحمه الله . ( راجع بحث خان جقمق ) .



    سوق مدحت باشا في بداية سنة 2010 وقد تم إعادة تأهيل السوق من جديد و منع مرور السيارات منه إلا بعد الثامنة مساءً ، أي بعد إغلاق جميع المحال التجارية أبوابها ، ونلاحظ أرضية السوق المرصوفة بالحجارة البيضاء الملساء بدلاً عن الحجارة المربعة السوداء البازلتية ، وكذلك واجهات المحلات الجديدة العشوائية بعد تم توحيد أبوابها كما كانت أيام الوالي العثماني مدحت باشا و السقف المعدني المقنطر الجديد .



    بوابة خان الزيت في بداية سنة 2010 ، بعد إعادة تجهيز و تأهيل السوق ككل ، و تم تبيض البوابة من الخارج كما هو الحال المتبع في جميع الدول الأوروبية ... للمحافظة على رونق و جمال هذه التحف المعمارية النادرة ليس في دمشق فحسب ، بل كل دول العالم المتحضر .. يحافظ على التراث الفني المعماري كهذا التراث ، و لا بد من تحوله الى حدث سياحي هام جدا و تستثمره اقتصاديا و سياحيا وبعض الأحيان سياسيا .. فلا ضير في ذلك .



    يستخدم الخان حاليا للمحال التجارية و ورش للمهن اليدوية و إنتاج المطاط و العقالات و البشوت و زخارف الطاولات الخشبية .

    إعداد : عماد الأرمشي
    باحث تاريخي بالدراسات العربية والإسلامية لمدينة دمشق

    المراجع :
    ـ موقع وزارة السياحة السورية / خانات دمشق
    ـ منادمة الأطلال و مسامرة الخيال / الشيخ عبد القادر بن بدران
    ـ خطط دمشق دراسة تاريخية شاملة / د . أكرم حسن العلبي 1989
    ـ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر / محمد أمين بن محمد المحبي
    ـ لطف السمر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر/ نجم الدين محمد بن محمد الغزي الدمشقي


    ـ مجموعة صور المصور الفرنسي فيليكس بونفليس
    FELIX BONFILS, 100 PHOTOGRAPHS: Egypt, Palestine, Jerusalem, Lebanon, and Syria. 1867-1870.
    *


Working...
X