X

الخشوع في الصلاة

المنتدى الاسلامي

 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • FlexiSign
    Thread Author
    Free Membership
    • Feb 2019 
    • 167 
    • 170 
    • 276 

    الخشوع في الصلاة

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

    وبعدُ:

    فقد قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]، فلما ذَكَر بقيَّةَ صفاتهم، ذَكَر جزاءهم، فقال:
    ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 10، 11].

    قال الحَسَن البصريُّ رَحِمَه اللهُ في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾، قال:
    كان خشوعُهم في قلوبهم، فغَضُّوا بذلك أبصارَهم، وخفضوا لذلك الجَناح[1].

    قال ابن القيم:
    "علَّق اللهُ فلاحَ المُصَلِّين بالخشوع في صلاتهم، فدلَّ على أنَّ مَن لم يَخْشَعْ فليس مِن أهل الفلَاح، ولو اعتدَّ له بها ثوابًا، لكان مِن المفلحين"[2].

    والخشوع يأتي بِمَعْنَى لِينِ القلبِ، ورقَّتِه، وسُكونِه، فإذا خَشَعَ القَلبُ تَبِعَه خشوعُ الجوارح؛ لأنَّها تابعةٌ له؛ عنِ النُّعمان بن بشير رضِيَ الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((ألا وإنَّ في الجسَد مُضْغةً، إذا صَلَحَتْ صَلَح الجسَدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَدَ الجسَدُ كله، ألا وهي القلب))[3].

    ولذلك كان النبي صلَّى الله عليه وسلم في صلاته يقول: ((خَشَعَ لكَ سمعي، وبصري، ومُخِّي، وعَظمي، وعصبي))[4].

    عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال:
    "بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم، فَنَظَر في السماء، ثم قال: ((هذا أوانُ العِلْم أن يُرْفَع))، فقال له رجلٌ مِن الأنصار، يُقال له: زياد بن لبيد: "أيُرْفَع العِلْمُ يا رسول الله، وفينا كتابُ اللهِ، وقد عَلَّمْناه أبناءَنا ونساءَنا؟!"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنْ كنتُ لأظنُّك مِن أفقهِ أهلِ المدينة))، ثم ذَكر ضلالةَ أهلِ الكتابيْن وعندهما ما عندهما مِن كتاب الله عز وجل، فلقِيَ جُبيرُ بنُ نُفيرٍ شدَّادَ بْنَ أَوْسٍ بِالمُصَلَّى، فَحَدَّثَهُ هذا الحديثَ عن عوف بن مالك، قال: صَدَقَ عوفٌ، ثم قال: "فهل تدري ما رَفْعُ العِلْم؟"، قال: قلتُ: لا أدري، قال: ذَهاب أَوْعِيَتِهِ، قال: وهل تدري أيُّ العِلْم أوَّلُ أن يُرْفَع؟ قال : فقلتُ: لا أدري، قال: "الخشوع، حتى لا تكاد ترى خاشعًا"[5].

    فإذا دخل المصلِّي المسجدَ بَدَأَتِ الوساوسُ، والأفكارُ، والانشغالُ بأمور الدنيا في ذِهْنِه، فما يَشعُر إلا وقد انتهى الإمامُ مِن صلاته، وحينئذٍ يَتحسَّر على صلاتِه التي لم يَخشَع فيها، ولم يَذُقْ حلاوتَها، وإنما كانت مجرَّدَ حركاتٍ وتمتمات؛ كالجسد بلا روح.

    قال ابن القيم رحمه الله:
    "صلاةٌ بلا خشوعٍ ولا حضورٍ؛ كبَدَنٍ ميِّتٍ لا رُوحَ فيهِ، أفلا يَسْتَحْيِي العَبْدُ أنْ يُهديَ إلى مخلوقٍ مثلِه عبدًا ميِّتًا، أو جاريةً ميتة؟ فما ظنُّ هذا العبد أن تَقَعَ تلك الهَديَّةُ مِمَّن قَصَدَهُ بها مِن مَلِكٍ، أو أميرٍ، أو غيرِه؟! فهكذا سواءً الصلاةُ الخالية عن الخشوع والحضور، وجمْعِ الهِمَّة على الله تعالى فيها بمنزلة هذا العبد - أو الأَمَة - الميت، الذي يُريد إهداءَه إلى بعضِ الملوك؛ ولهذا لا يَقبَلها الله تعالى منه، وإنْ أَسْقَطَتِ الفرضَ في أحكام الدنيا، ولا يُثِيبُه عليها؛ فإنه ليس للعبد مِن صلاته إلا ما عقَلَ منها" اهـ[6].

    قال بعضُهم: إنَّ الرجُلَيْنِ لَيكونانِ في الصَّلاةِ، وإنَّ ما بَيْنَهُما كما بين السماء والأرض[7].

    وعن عمَّار بن ياسر رَضِيَ الله عنه؛ أنَّ النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال:
    ((وإنَّ الرجُل لَينصَرف وما كُتِبَ له إلا عُشْرُ صلاتِه، تُسعُها، ثُمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خُمسُها، رُبعُها، ثُلثُها، نِصفُها))[8].

    والخشوعُ في الصلاة إنما يحصُل لِمَن فَرَّغَ قلبَه لها، واشتَغَل بها عمَّا عَدَاها، وآثرَها على غيرها، وحينئذٍ تكون له قُرَّةَ عيْن؛ عن أنس رضي الله عنه؛ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((حُبِّبَ إليَّ مِن الدُّنيا النساءُ والطِّيب، وجُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصلاة))[9]؛ بل إنه عليه الصلاة والسلام كان إذا حَزَبَهُ أمْرٌ صَلَّى، وكانَ يقولُ: ((قُمْ يا بلال، فَأَرِحْنا بِالصلاة))[10].


    منَ الأُمُور التي تُعين على الخُشُوع في الصلاة:
    أولًا: أنْ يَسْتَحْضِرَ المُسْلِمُ عَظَمَةَ البارِي سبحانه وتعالى، وأنه واقفٌ بين يَدَيْ جبارِ السماوات والأرض، قال تعالى:
    ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].

    ثانيًا: أن يَنظرَ المسلمُ إلى موضع السجود، ولا يَلتفتَ في صلاته؛ عن أبي ذر رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((لا يزال اللهُ مُقْبِلًا على العبد في صلاته، ما لم يلتفت، فإذا صَرَفَ وَجْهَهُ، انصرف عنه))[11].

    ثالثًا: تدبُّر القُرْآنِ الكريم والأذكار التي يقولها في صلاته؛ قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].

    فإذا تدبَّر المسلمُ أذكارَ الركوعِ والسجود، وغيرَها منَ الأذكار، كان ذلك أوعَى للقلب، وأقربَ للخُشُوع.

    رابعًا: ذكْر الموتِ في الصلاة؛ عن أبي أيوب رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((إذا قُمْتَ في صلاتكَ، فصلِّ صلاةَ مُوَدِّع))[12].

    خامسًا: أن يُهَيِّئ المصلِّي نفسَه، فلا يُصلِّي وهو حاقِنٌ، ولا بحضْرة طعامٍ، قال صلى الله عليه وسلم:
    ((لا صلاةَ بحضْرَةِ الطَّعامِ، ولا وهو يُدافعُه الأَخْبَثَانِ))[13]، وأن يُزيل كلَّ ما يَشغله في صلاته منَ الزخارف والصوَر ونحوها؛
    عن عائشة رضي الله عنها قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في خَمِيصَةٍ ذاتِ أعلامٍ، فنظر إلى عَلَمِها، فلما قَضَى صلاته قال:
    ((اذهَبوا بهذه الخميصة إلى أبي جَهْمِ بنِ حذيفةَ، وائتوني بأَنْبِجَانِيِّه؛ فإنها أَلْهَتْنِي آنفًا في صَلاتي))[14].

    سادسًا: مُجَاهَدَة النفْس في الخُشُوع، فالخُشُوع ليس بالأمر السَّهْل، فلا بدَّ منَ الصبر والمجاهدة؛ قال تعالى:
    ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، ومع الاستمرار والمجاهدة يَسْهُل الخُشُوعُ في الصلاة.

    سابعًا: استحضار الثوابِ المُتَرَتِّب على الخشوع؛ عن عثمان رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((ما مِن امرئٍ مسلم تَحْضُره صلاةٌ مكتوبة، فيُحسِن وضوءها، وخشوعَها، وركوعَها، إلا كانتْ كفَّارةً لما قبْلها منَ الذنوب، ما لم يُؤت كبيرة، وذلك الدهرَ كلَّه))[15].

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم مِن أكثرِ الناسِ خشوعًا في الصلاة؛ قال عبد الله بن الشِّخِّير:
    "رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي، وفي صدره أزيزٌ كأزيز الرَّحَى مِن البُكاء"[16].

    وأبو بكر كان رجُلًا بكَّاءً، لا يُسْمِع الناسَ مِن البُكاء إذا صلَّى بهم[17]، وعمر رضي الله عنه صلَّى بالناس وقرأ سورة يوسف، فسُمِع نشيجُه مِن آخر الصفوف وهو يقرأ: ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84][18].


    قال ابن القيم رحمه الله: "والناس في الصلاة على مراتبَ:

    أحدها: مرتبة الظالِم لنفسِه المفرِّط، وهو الذي انتقَص مِن وضوئها، ومواقيتها، وحدودها، وأركانها.

    الثاني: مَن يحافظ على مواقيتِها، وحدودِها، وأركانها الظاهرة، ووضوئها، لكن قَدْ ضَيَّعَ مجاهَدةَ نفسِه في الوسوسة، فذهَبَ مع الوساوس والأفكار.

    الثالث: مَن حافَظَ على حدودها وأركانها، وجاهَدَ نفسَه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهَدة عَدوِّه؛ لئلا يَسْرق صلاتَه، فهو في صلاة وجهاد.

    الرابع: مَن إذا قام إلى الصلاة أَكْمَلَ حُقُوقَهَا وأَرْكَانَهَا وحُدُودَهَا، واسْتَغْرَقَ قلبَه مُراعاةُ حُدودِها؛ لِئلا يُضيِّع شيئًا منها؛ بل همُّه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي، وإكمالها وإتمامها، قد استغرق قلبَه شأنُ الصلاة وعبوديةُ ربه تبارك وتعالى فيها.

    الخامس: مَن إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا، قد أخذ قلبَه ووضعه بين يدي ربه عزَّ وجلَّ، ناظِرًا بقلبه إليه، مُراقِبًا له، مُمْتَلِئًا مِن مَحَبَّته وعظَمَتِه؛ كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلَّتْ تلك الوساوسُ والخطرات، وارتفعَت حُجُبُهَا بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضلُ وأعظمُ مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغولٌ بربِّه عَزَّ وجَلَّ.

    فالقِسم الأول: مُعاقَبٌ، والثاني: محاسَب، والثالث: مُكَفَّرٌ عَنْهُ، والرابع: مُثَابٌ، والخامس: مُقَرَّبٌ مِن رَبِّهِ؛ لأن له نصيبًا ممن جُعلَتْ قرةُ عينه في الصلاة،
    فمَن قَرَّتْ عينُه بصلاته في الدنيا، قَرَّتْ عينُه بقُربِه مِن ربِّه عز وجل في الآخرة، وقرَّت عينُه أيضًا به في الدنيا، ومَن قرَّت عينُه بالله، قرتْ به كلُّ عينٍ، ومَن لم تقرَّ عينُه بالله تعالى تَقَطَّعَتْ نفسُه على الدنيا حسرات"[19].

    والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    ________________
    [1] "تفسير ابن كثير" (3/238).

    [2] "مدارج السالكين" (1/526).

    [3] "صحيح البخاري" (1/234)، برقم: (52)، و"صحيح مسلم" (3/1220)، برقم: (1599).

    [4] قطعة من حديث في "صحيح مسلم" (1/53)، برقم: (771).

    [5] "مسند الإمام أحمد" (6/26-27).

    [6] "الوابل الصيب من الكلم الطيب" (ص11).

    [7] "مدارج السالكين" (1/567).

    [8] "سنن أبي داود" (1/211)، برقم: (796).

    [9] "سنن النسائي" (7/61)، برقم: (3939).

    [10] "سنن أبي داود" (4/297)، برقم: (4986).

    [11] "مسند الإمام أحمد" (5/172).

    [12] قطعة من حديث في "مسند الإمام أحمد" (5/412).

    [13] "صحيح مسلم" (1/393)، برقم: (560).

    [14] "صحيح البخاري" (1/141)، برقم: (373)، و"صحيح مسلم" (1/391)، برقم: (556).

    [15] "صحيح مسلم" (1/206)، برقم: (228).

    [16] "سنن أبي داود" (1/238)، برقم: (904).

    [17] "صحيح البخاري" (1/236)، برقم: (716).

    [18] "صحيح البخاري" (1/236).

    [19] "الوابل الصيب من الكلم الطيب" (ص34، 35).

    من مقالات شبكة الألوكة
  • zaza-14
    VIP
    • Oct 2018 
    • 3242 
    • 4,419 
    • 8,435 

    #2
    جزاك الله خيرا كثيراً
    Comment
    • زاخو7
      VIP
      • Oct 2018 
      • 2033 
      • 2,842 
      • 1,832 

      #3
      جزاك الله خيرا
      Comment
      • aelshemy
        Free Membership
        • Oct 2018 
        • 646 
        • 429 
        • 1,032 

        #4
        بارك الله فيك وجزاك خيرا وشكرا لك
        Comment
        Working...
        X